الأب عبد الأحد ريّس
ولد الأب عبد الأحد ريّس في قرية أرادن من سنة 1879 من أبوين تقيين، هما الشماس سمانو ومريم، ودعي في المعمودية شابو.
دخل معهد مار يوحنا الحبيب في الموصل عام1894، حيث اكمل دراسته الفلسفية واللاهوتية.
كان قد قرر الدخول الى الدير للترهب عند الرهبان الكلدان في دير السيدة في القوش قبل رسامته الكهنوتية، ذلك لتقواه وتواضعه ورغبته في الترهب. لكن بعد فترة من بقاءه في الدير، راى رؤساءه بأن الطالب اليافع مدعو الى الكهنوت عبر طريق الرسالة في الابرشيات، حيث رسم له الرب ان يكون أباً لنفوس كثيرة تتكرس للرب بواسطتهِ.
في 15 من ايار 1904 سيم شابو كاهنا باسم عبد الأحد مع رفيقه يوسف غنيمة”بطريرك الكلدان 1947- 1958″، بوضع يد صاحب الغبطة مار يوسف عمانوئيل الثاني توما، بطريرك بابل على الكلدان .
حال وصول الأب عبد الأحد الى الأبرشية عين مساعدا للأب فرنسيس داؤد في خدمة رعية ارادن . هنا اندفع الكاهن الشاب وأقام لنفسه برنامجا لا يختلف عن ذلك الذي عاشه في الاكليريكية. فوزّع وقته بين الصلاة الشخصية والجماعية وبين العمل التعليمي لأولاد المدرسة صباحا والإرسالي لشباب القرية بعد الظهر وحتى ليلا كان يجمع الكبار بعد عودتهم من أشغالهم فكان يعلمهم التعليم المسيحي والتراتيل والمسرحيات، كان دائم الحضور في منبر التوبة لقبول النفوس المحتاجة الى الغفران الإلهي والمشورة المسيحية، كان يرافق المنازعين ويبقى معهم الى آخر نفس من حياتهم.
حاول ان يلف حوله بعض شباب القرية نظرا للحقل الرسولي الشاسع الممتد أمام ناظريه ولقلة العمال في كرم الرب، فدّرس معهم إمكانية تأسيس جمعية رهبانية للشباب، تلبية لحاجة الرسالة، نجح فترة قصيرة ان يجمع ستة من الشباب وبدأ يثقفهم روحياً بإعدادهم للحياة الرهبانية، مدربا إياهم على الصلاة والعمل في الحقول والكروم وحياة الرسالة، لكن للأسف لم ينجح المشروع لأسباب كثيرة، لم يمنعه انزعاجه ومرارته من التخلي عن مشروعه.
كان قد طلب الأب فرنسيس داؤد من رئيس الرسالة الدومنيكية في الموصل، الأب دومنيكو بيريه، الذي اصبح لاحقا موفدا رسوليا، إمكانية إرسال بعض الشابات للترهب لدى راهبات التقدمة في الموصل .لكن الأب بيريه، فضّل بان يؤسس جمعية صغيرة من أخوات محليات، لرسالة التعليم والتربية المسيحية والمهنية مع بنات الأبرشية وفي قرى الجبال .
بعد وصول الأب عبد الأحد الى الأبرشية، قرر الاثنان معا السير قدما في تأسيس هذه الجمعية النسائية لتلبية حاجات الأبرشية. قدما طلبا الى الأسقف مار يعقوب سحار عام 1907، لكن الجواب أتى بالنفي لأسباب اقتصادية ولعدم وجود المكان المناسب لهذا الهدف .
اعادا تقديم الطلب في العام التالي بعد تأمين المكان، وتخطى الحواجز المادية، اقتنع الأسقف بالمشروع وبالحلول المعقولة، سمح بذلك واعطى المطرانية القديمة المعروفة بيث صلوثا، داعيا المؤمنين لتلبية حاجات الراهبات على قدر الامكان .
بدأ الأب عبد الأحد بكل همة ونشاط، تحضير بعض الفتيات، اللواتي رأى بهن علامة الدعوة الرهبانية ونجح بان يجمع حوله ثلاث فتيات:شموني يوخنا قاشا هرمز “الأخت مريم” ابنة أخ الأب فرنسيس داود، راحيل شماس يوخنا ياقو “الأخت مركنيثة” وودّه سولاقا “الأخت تريزا”.
بعد وفاة مار يعقوب حنا سحار في اذار 1909، انتخب الأب فرنسيس داود اسقفا على العمادية . راى الأب عبد الأحد في ذلك يداً الهية سمحت له بتحقيق حلمه مع بركة الكنيسة امر الأسقف الجديد الأب عبد الأحد بمواصلة تأسيس الجمعية. في هذه الفترة لحقت بالراهبات الثلاث الأول، إمرأة رابعة ارملة كانت تسكن قرب الكنيسة وكان قد قتل زوجها ولها”ابن وبنت” واسمها كوزال نيسان “الأخت يوليطي” وكانت امرأة فاضلة .
فقام الأب عبد الأحد بتشييد الدير على قطعة ارض من اراضي والده ولما رأى ان هذه الأرض لا تفي بالغرض، اشترى قطعة اخرى ووحدّها مع القطعة الأولى وشيّد عليها الدير، الذي تكوّن حينها من طابقين .
تأسست الجمعية رسمياً في الخامس عشر من شهر اب 1911، عيد انتقال السيدة العذراء التي وضع تحت حمايتها الأب عبد الأحد مؤسسته المتواضعة المتكرسة لقلب يسوع الاقدس، وضع عاجلاً قانونا لبناته، وافق عليه الأسقف.
ومن بعد هؤلاء الاربع قبلت طالبتان اخريتان بتاريخ 30 / 6 / 1913 وهما دلّي ايشو سوسو ابنة اخت الاب عبد الاحد “الاخت كترينا” وشموني بتو موشي “الاخت سلطان مادوخت” ونذرن جميعاً الوجبة الاولى والثانية بتاريخ 7/11/1914 على يد المؤسس من ثم دخلت اربع بنات اخرى هنّ ملي كوركيس، ملي بتو، ملي يوسف وراحيل يوخنا القس هرمز بتاريخ 11/4/1915 وتوفي المؤسس بتاريخ 16/2 / 1916قبل ان يبرزن الاخوات النذور بسبب خدمته المستمرة للمرضى المصابين بحمى التيفوئيد المنتشر حين ذاك في المنطقة .
بقي وحده بعد نفي مار فرنسيس الى الموصل وتألم الاب عبد الاحد خلال سنين الحرب العالمية الاولى. وَهَنَ جسمه من العمل المتواصل ومن هموم المؤمنين وبناته اللواتي اصبحن ضحية الميلشيات غير المنتظمة التي كانت تزرع الرعب والدمار في كل المنطقة. من اثارها انتشار حمى التيفوئيد في القرية وكان الاب عبد الاحد يطوف في القرية ويبقى بجانبهم ليحضرهم للميتة الصالحة ويعطيهم الاسرار الاخيرة، الاعتراف، القربان المقدس ومسحة المرضى، مما اصيب هو ايضا بحمى التيفوئيد التي قصفت ايامه بوحشية . وفي السادس عشر من شباط 1916 غادر هذه الفانية الى الجنان، ليقبل من ربه مكافأة جهاده من اجل مُلْك قلب يسوع، ودفن في كنيسة سلطان ماهدوخت في انتظار يوم القيامة.