ألروحانية
الروحانية الثالوثيّة والمسيحانيّة
إنّ روحانيّة رهبانيّة بنات قلب يسوع الأقدس المبنيّة على وحي باري لي مونيال( Paray-le- Monial)، هي روحانيّة ثالوثيّة ومسيحانيّة في الوقت ذاته.
يُظهِر إله الرحمة والمغفرة مرّة أخرى قُربَه إلى البشر. فيسوع بائتمانه الخاطئين مَشاعر قلبه دعاهم الى الاتّحاد به وبآيات الشفاء التي يحقّقها. إنّه بتعبير آخر دعا الإنسان إالى مشاركته عمليّةَ إعادة الخلق، فأصبح باستطاعة الإنسان منذ تلك اللحظة فصاعداً أن يكون إلى جانب الله، وأن يُحبّ على مثاله وفيه. لقد تجلّى الله في إنسانيّته التي ظهرت بوضوح انطلاقاً من الموضع الأكثر سريّةً، حيثُ يَلتَقي كلّ مصيرٍ بشريّ: القلب المتألّم والمحِبّ. إنّ قلب المسيح هو هبة الله وهبة الروح القدس كذلك. فالروح هو الذي يمنح قلب الإنسان إمكانيّة اللقاء بقلب المسيح، ومن خلال التأمل بهذا القلب يمكن للإنسان أن يكشف قلب الله.
تتمثّل إرادة الآب في أن يردّ إلى قلب المسيح عبادة المحبّة التي استحقّتها لدواعٍ كثيرة، وأن يُنعش شعلة الإيمان ولهيب المحبّة المقدّس الذي يحاول عُقوقُ البشر جاهداً العملَ على إطفائه في كلّ القلوب. هذا الإرادة الإلهية تتعلّق بالابن وبالكنيسة في آنٍ معاً. إنها تضع أُسُس روحانيّة الرهبانيّة في بُعدَيها: التأمّلي والرسولي.
إن الاتّحاد بقلب يسوع مختوم بختم الحبّ المطلق وبالسجود. غير أنّ هذه العلاقة الشخصيّة بالمسيح لا تنفصل عن العلاقة مع الإخوة والاخوات.إنّ ما منحَ البدْءَ للكنيسة هو الفعل الفريد الذي وقع عشيّة الفصح، والذي من أجله كشف المسيحُ القائم من بين الأموات عن نفسهِ لتلاميذه وجعلهم شركاءَ له في ملّ مجده مظهراً لهم يديه وجنبَه، وللأمر ذاتِه أرسلهم بقوّة الروح القدس كما اُرسِل هو من قِبل الآب. إنّ قلب المسيح ينفتح في قلب الإنسان.
كلّ شيء يبدأ من الىب وبإذنه فقط. وكلّ شيء يرتكز من ناحية أخرى إلى شخص المسيح ويتمركز في قلبه البشريّ. إنّ المسيح بكشفه عن أعماق قلبه يولّد لدَى الإنسان استجابةً هي إجابةُ الحبّ الذي يفنَى في مجانيّة العبادة المطلقة. هذا هو معنى كلمة عبادة، حيث وردت في قوانين الرهبانيّة. إنها تعبّر عن هذه العلاقة المتميّزة والفريدة من نوعها مع شخص المسيح، حيث تتّحد حميميّة الحبّ بِهَيبة العبادة في فعل السجود. لقد جعلت قوانين الرهبانيّة من هذا الاتّحاد بقلب يسوع حجر الأساس للعمل الرسولي ومنحته صفته المسيحانيّة الخالصة. فاجتذاب الناس نحو الآب يعني – استناداً إلى ما تقدّم – مساعدتهم ليعرفوه في ابنه المتجسّد.
يقول مار بولس في إحدى رسائله متحدّثاً عن سرّ التجسُّد: ” ولا خلافَ أنّ سرّ التقوى عظيم”. حسَناً، ما هو هذا السرّ؟ قد أُظهِر في الجسد، وأُعلن بارّاً في الروح، وتراءى للملائكة، وبُشّر به عند الوثنيّين، وأُومِنَ به في العالم، ورُفع في المجد”. إنّ سرّ التقوى إذنّ هو الكلمة المتجسّد، أو بعبارة أخرى: هو حنان الله الذي يعجز اللسان عن وصفه تجاه الإنسان، ذلك الحنان الذي أظهره الله في تجسُّد ابنه الحبيب. إنّ رحمة الله هذه تستدعي بِدَورها التقوى من جانب الإنسان في حقّه تعالى. وهذه التقوى هي ثمرة التغيُّر الذي يحدث في عُمق أعماق المؤمن؛ فعندما يَقبل المؤمنُ الله في الجسد فإنّه يحيا في شركة مع المسيح: إنّه سرّ علاقة إنسانيّةٍ قُصوى بين الله والإنسان، تبدأ عند التجسّد وتُدركها عبادة قلب يسوع الأقدس على مستوى القلب.