“من كان له قلب متناغم مع الله يفرح عندما يرى توبة أحد الأشخاص مهما كانت أخطائه كبيرة. فلا يبقى واقفًا عند الأخطاء، ولا يوجه إصبعه إلى الشر، بل يفرح بالخير، لأن خير الآخر هو أيضاً خيري!” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي
تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الأحد صلاة التبشير الملائكي مع المؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس وقبل الصلاة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها يروي الإنجيل الذي تقدّمه الليتورجيا هذا الأحد ما يُعرف بمثل الابن الضال. هو يقودنا إلى قلب الله الذي يغفر على الدوام برأفة وحنان. يخبرنا أن الله هو أب لا يقبل مجدّدًا وحسب ابنه الذي عاد إلى البيت بعد أن بدّد كل ممتلكاته بل يفرح به ويقيم له حفلاً. نحن ذلك الابن، ونتأثر لمجرّد أن نفكر في أن الآب يحبنا وينتظرنا على الدوام.
تابع الأب الأقدس يقول لكن في المثل نجد أيضًا الابن الأكبر، الذي عاش أزمة أمام هذا الأب، الذي يمكنه أن يضعنا نحن أيضًا في أزمة. في الواقع، يوجد في داخلنا أيضًا هذا الابن، أو على الأقل جزئيًا، نميل إلى الاتفاق معه: لقد قام دائمًا بواجبه، ولم يغادر المنزل، لذلك غضب لرؤيته للأب يعانق مجدّدًا الأخ الذي تصرّف بأسلوب خاطئ. ولذلك يحتج ويقول: “ها إِنِّي أَخدُمُكَ مُنذُ سِنينَ طِوال، وما عَصَيتُ لَكَ أَمرًا قَطّ”، أما لـ “ابنكَ هذا” فتقيم له حفلاً!
أضاف الحبر الأعظم يقول من هذه الكلمات تظهر مشكلة الابن الأكبر. في علاقته مع الأب، هو يؤسس كل شيء على التقيُّد بالأوامر، وعلى الإحساس بالواجب. قد تكون هذه مشكلتنا أيضًا مع الله: أن نغفل أنّه أب ونعيش ديانة بعيدة، تقوم على المحظورات والواجبات. ونتيجة هذه المسافة هي القساوة والتشدد إزاء القريب الذي لا ننظر إليه بعدها كأخ. في الواقع، في المثل، لا يقول الابن الأكبر للأب أخي، وإنما يقول ابنك. وفي النهاية يخاطر هو نفسه بالبقاء خارج البيت. في الحقيقة – يقول النص – “أَبى أَن يَدخُل”. وعند رؤيته لذلك، خرج الأب يتوسل إليه: “يا بُنَيَّ، أَنتَ مَعي دائمًا أبدًا، وجَميعُ ما هو لي فهُو لَكَ”. وحاول أن يجعله يفهم أن كل ابن بالنسبة له هو حياته كلها. يعرف الوالدون ذلك جيدًا، إذ يقتربون جدًا من شعور الله. إنه أمر جميل ما يقوله أب في إحدى الروايات: “عندما أصبحت أباً، فهمت الله”. في هذه المرحلة من المثل، يفتح الأب قلبه للابن الأكبر ويعبِّر له عن حاجتين، وهما ليستا وصايا، وإنما ضرورة للقلب: “قد وَجَبَ أَن نَتَنعَّمَ ونَفرَح، لِأَنَّ أَخاكَ هذا كانَ مَيتًا فعاش”. لنرى نحن أيضًا ما إذا كان لدينا في قلوبنا هذين الاحتياجين: الاحتفال والفرح.
تابع الأب الأقدس يقول أولاً الاحتفال، أي إظهار مشاركتنا للشخص الذي يتوب أو هو في مسيرة، للذي يعيش في أزمة أو هو بعيد. لماذا ينبغي علينا أن نفعل ذلك؟ لأن هذا الأمر سيساعد في التغلب على الخوف والإحباط اللذين يمكنهما أن يأتيان من تذكر أخطائنا. غالبًا ما يشعر الشخص الذي خطئ بتوبيخ قلبه؛ وبالتالي فالبعد واللامبالاة والكلمات الحادة لا تساعد أبدًا. لذلك، وبحسب الأب، من الضروري أن نقدم له استقبالاً حارًّا، يشجعه على المضي قدمًا في المسيرة. وماذا عنا هل نفعل هكذا؟ هل نبحث عن من هو بعيد وهل نريد أن نحتفل معه؟ كم من الخير يمكن أن يفعله القلب المنفتح، والاصغاء الحقيقي، والابتسامة الشفافة؛ والاحتفال، وعدم جعل الآخر يشعر بعدم الارتياح! من ثمَّ، وبحسب الأب، علينا أن نفرح. من كان له قلب متناغم مع الله يفرح عندما يرى توبة أحد الأشخاص مهما كانت أخطائه كبيرة. فلا يبقى واقفًا عند الأخطاء، ولا يوجه إصبعه إلى الشر، بل يفرح بالخير، لأن خير الآخر هو أيضاً خيري! ونحن، هل نرى الآخرين بهذه الطريقة؟ هل نعرف كيف نفرح للآخرين؟
وختم البابا فرنسيس كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي بالقول لتُعلّمنا مريم العذراء أن نقبل رحمة الله، لكي تصبح النور الذي ننظر من خلاله إلى قريبنا.