كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية عشرة ظهرا عندما أطل البابا فرنسيس من على شرفة مكتبه الخاص في القصر الرسولي بالفاتيكان ليتلو مع وفود الحجاج والمؤمنين صلاة التبشير الملائكي، كما جرت العادة ظهر كل أحد، وتحدث عن أهمية السعي إلى تنقية النظر والكلام.
قال البابا فرنسيس إن الرب يسوع يدعونا في إنجيل اليوم إلى التفكير بنظرنا وبكلامنا. فالرب يحذرنا من خطر النظر إلى القشة في عين أخينا وعدم رؤية الجذع في عيننا، وهذا ما يحصل – قال البابا – عندما نكون متنبهين لأخطاء الآخرين، تلك الأخطاء الصغيرة كالقشة، ونغض الطرف عن أخطائنا أو نقلل من شأنها. فالرب يسوع يقول لنا إننا نجد دوماً سببا لإلقاء اللوم على الآخرين ولتبرير أنفسنا. وأحيانا كثيرة نتذمر حيال الأمور التي لا تجري على ما يرام في المجتمع والكنيسة والعالم، دون أن نقوم بفحص ضمير، ونسعى إلى تغيير ذواتنا. لأنه بهذه الطريقة يكون نظرنا أعمى، وإذا كنا عميان لا نستطيع أن نكون قدوة ومعلمين للآخرين. لأن الأعمى لا يستطيع أن يقود أعمى آخر، كما يقول الرب.
تابع البابا قائلا إن الرب يدعونا إلى تنقية نظرنا، ويطلب منا قبل كل شيء أن ننظر إلى داخلنا، لنقر ببؤسنا. لأنه إن لم نتمكن من رؤية أخطائنا، سنميل دوما إلى تعظيم أخطاء الآخرين. وإذا اعترفنا بأخطائنا يُفتح أمامنا باب الرحمة. وبعد النظر إلى داخلنا يدعونا الرب للنظر إلى الآخرين، كما ينظر إليهم هو نفسه، إذ لا يرى الشر بل الخير، لأن الله لا يرى فينا الأخطاء التي لا يمكن تصحيحها، بل يرى فينا أبناء يرتكبون الأخطاء. فالله يميز بين الشخص وأخطائه، إنه ينقذ الشخص، إنه يؤمن بالإنسان وهو مستعد دوما ليغفر له. ويدعونا لأن نفعل الشيء نفسه: أي عدم البحث عن الشر في الآخرين بل عن الخير.
بعدها أكد الحبر الأعظم أن الرب يسوع يدعونا إلى التفكير بكلامنا مؤكدا أن الفم ينطق من فيض القلب. لأن الكلمات التي نستخدمها تعبر عنا. وأحيانا كثيرة – قال فرنسيس – لا نعير كلماتنا الانتباه اللازم، ونستخدمها بطريقة سطحية. بيد أن الكلمات لها وقعها، إنها تسمح لنا بالتعبير عن أفكارنا ومشاعرنا، وعن مخاوفنا، وعن المشاريع التي نسعى إلى تحقيقها، ويمكن استخدامها لتسبيح الله ومباركة الآخرين. لكن وللأسف يمكن أن يُستخدم اللسان لتغذية لأحكام المسبقة، ولرفع الحواجز، وللتهجم على الأخوة. هذه هي النميمة التي تجرح الآخرين، وتشهّر بهم وهي تجرح أكثر من السكين.
مضى البابا إلى القول إن هذه الكلمات – وخصوصا في الزمن الرقمي الذي نعيش فيه – تسير بسرعة، وغالبا ما تنقل الغضب والعدائية، وتغذي الأنباء المزيفة، وتستفيد من المخاوف الجماعية لتنشر أفكارا مشوهة. ودعا البابا المؤمنين إلى التساؤل حول الكلمات التي يستخدمونها، أهي كلمات تعبر عن الانتباه والاحترام والتفاهم والقرب والرأفة، أم أنها ترمي إلى تحسين صورتنا أمام الآخرين؟ أنتكلم بوداعة أو نلوث العالم من خلال نشر السموم، منتقدين، متذمرين، ومغذين العدائية تجاه الآخرين؟ وسأل البابا في ختام كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي العذراء مريم أن تساعدنا على تنقية النظر والكلام.